اليمنيات يقلن لا.. قصة وداد البدوي في مواجهة التضليل والتحريض

رشيد سيف:

شهدت اليمن خلال سنوات الحرب تصاعدا غير مسبوق في الانفلات الأمني وتدهور مؤسسات الدولة، ما أدى إلى تفاقم المخاطر التي تواجه العاملات في المجال المدني والصحفي. في بيئة يسودها العنف والفوضى، تزداد القيود والتحديات التي تعترض النساء اللاتي يعملن في الدفاع عن الحقوق والمشاركة في الحياة العامة، حيث تتقاطع عوامل التهديد الاجتماعي والسياسي مع الانتهاكات الرقمية والتحريض المستمر.

في هذا السياق، تبرز الصحفية والناشطة وداد البدوي كنموذج حقيقي لمقاومة هذه الضغوط والتحديات، فالتزامها بالدفاع عن حقوق النساء في مجتمع يشهد تراجعا في الحريات، جعلها هدفا لحملات تشويه وتحريض ممنهجة تستهدف كسر صوت المرأة اليمنية في الفضاء العام.

وتعكس تجربة وداد معاناة الكثير من الناشطات اللواتي يدفعن ثمن التزامهن بالمساواة والعدالة في ظل غياب القانون والأمن.

وداد البدوي: صوت نسوي يواجه عواصف التشويه

لم تكن الصحفية والناشطة اليمنية وداد البدوي، تتوقع أن يتحوّل التزامها بالدفاع عن حقوق النساء إلى معركة مفتوحة مع حملات تشويه وتحريض ممنهج، تمتد من الفضاء الرقمي إلى الواقع والعكس، وتتداخل فيها الأبعاد الاجتماعية والسياسية والدينية، وسط مناخ من الحرب والانفلات الأمني وغياب القانون.

وفي هذا السياق، تقول البدوي لـ”رواها” : “حالات التشهير كثيرة، يعني عندما تتكلم كلمة، عندما تلبس، عندما لا يعجبهم رأيك في قضية معينة، يعملوا عليك حملة تحريض وتشويه، ودخول أحيانًا في الأخلاق وفي الشرف وفي الأعراض، وهذه كثيرة ومتنوعة في اليمن للأسف الشديد، ومن قبل أطراف تنتمي، يعني من قبل أقلام وأسماء معروفة تنتمي لأطراف سياسية، وتعمل لدى جهات معروفة يعني أنها تتبع أطراف سياسية، للأسف الشديد. لكن عندما اخترنا هذا المجال كنا نعلم أنها مهنة المتاعب”.

صورة الصحفية وداد البدوي

وأضافت: “انعكست بشكل كبير على الجانب الشخصي والمهني أيضًا، لأنه أصبحنا ننشر دائمًا بدون أسماء حتى لا نتعرض للانتهاكات والسب والشتائم، وأحيانًا كثيرًا على حياتنا الشخصية، والله أحيانًا نصاب بإحباط، لا أخفيك، بالجانب النفسي ننهار، لكن نرجع نوقف ثاني على أرجلنا ونماثل يعني”.

وتابعت: “ليست منظمات من تقف خلف هذه الحملات، هناك أحزاب سياسية تقف خلف هذه الحملات، الأحزاب السياسية هذه لها توجهات دينية، دائمًا لا تقبل للمرأة حضور، لا تريد للمرأة أن تكون متواجدة، لا تريد للنساء أن يكون لهن صوت، هذه الأحزاب السياسية للأسف الشديد هي من تقود هذه الحملات، وهي من تساعد على أن يكون هناك جيوش إلكترونية وتعبئة ضد النساء، وثقافة كراهية في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وأحيانًا ينعكس هذا في وسائلهم الإعلامية المقروءة أو المسموعة أو المرئية”.

وأشارت إلى أنه “للأسف لا يوجد تشريعات تحمي النساء والرجال بشكل عام من حملات الكراهية والنشر الإلكتروني المعادي للنساء أو للرجال، وبالذات النساء، أنا أقول لأن النساء أكثر من يتحمل هذا. يعني عند الرجل اليمني كل شيء عيب، إلا أنه يدخل يسب المرأة في الفيسبوك أو في تويتر، هذا مش عيب يعني عند الرجل اليمني.

وتابعت:” رأينا كثير من الرجال مش بس ينتقد النساء ويشهر بهن ويدخل في عرضهن، ولا يقول عيب يعني أن يتم ذلك، فمشكلة كبيرة والله، ويجب أن يكون هناك تشريعات وقوانين حامية للنساء والرجال على حد سواء، ورادعة لكل من يحاول أن يستعرض حضوره بامتهاك حرمة الآخرين، أو السب للآخرين، أو القذف للآخرين، أو تشويه سمعة الآخرين، ونشر ثقافة الكراهية”.

الانسحاب ليس خيارا

الواقع الأمني المتردي وانعدام سيادة القانون يجعل كثيرًا من الناشطات يُجبرن على الانسحاب من العمل العام، أو تقليص ظهروهن الإعلامي، أو حتى مغادرة البلاد إذا سنحت لهن الفرصة لكن البدوي لم تستسلم إذ تقول : ” لا بالعكس، الحملات لم تُجبرني على الإنسحاب، بالعكس ازددت إيمان بأن النساء تستحق أن نقف معهم، وأن النساء يجب أن يكون هناك أصوات قوية تدافع عنهن، وأنه يراد للنساء أن لا يتواجدن على الساحة، وعلى ميادين الحياة العامة، وبالتالي يكون هذا الهجوم الشرس والمعادي وحملات الكراهية ضد النساء.

صورة الصحفية وداد البدوي

وأكدت:” أنا لم أحبط يومًا ما. صحيح نتعب، لكن نزداد إيمان بأن العمل النسوي مهم في اليمن من أجل أن نستعيد كرامتنا كنساء، ونخلق أفق أفضل للعمل النسوي اليمني، ونحافظ على ما تبقى من المساحة من الحضور والعمل”.

وترى البدوي أنه من المهم جدًا أن يكون هناك تشريعات رادعة وحازمة، وتشريعات قانونية، وجهات تنفذ هذه التشريعات، فيما يتعلق بحملات التضليل، وحملات الكراهية، وحملات التشهير والتشويه بخصومات النساء. يجب أن يكون هناك قضاء حقيقي يقف إلى جانب النساء، لأنه من يفتح صفحة فيسبوك من التليفون يستطيع أن يسبّ أي امرأة دون أي رادع، يستطيع أن يتهمها بأخلاقها، بشرفها، وأن يطعن بمستوى أخلاقها، فهذه كارثة حقيقية يجب أن تتوقف، ويجب أن يكون هناك تشريعات رادعة وحامية للنساء أيضا”.

وتوضح أن الحرب لم تضعف فقط البنية القانونية والإدارية للدولة، بل أطلقت العنان لشبكات التحريض والتشهير، ووفّرت مناخًا عامًا يسمح باستهداف النساء، خصوصا الناشطات والصحفيات، دون أي محاسبة أو رادع.

مع تراجع سلطة الدولة وتفكك مؤسساتها، ازداد مستوى المخاطر التي تواجهها النساء العاملات في المجال العام، وخصوصًا أولئك اللواتي يشتبكن في قضايا حقوقية أو يطالبن بمكانة عادلة للمرأة في المجتمع.

خلال السنوات الماضية، طالت الاعتقالات والاحتجازات العشرات من الصحفيات والناشطات، في مناطق خاضعة لسلطات أمر واقع متعددة، وتعرضت بعضهن لسوء معاملة أثناء الاحتجاز، بينما اختفت أخريات لفترات طويلة قبل أن يُفرج عنهن أو تُطوى ملفاتهن بصمت.

وتكررت حالات اقتحام منازل ناشطات، أو استدعائهن واحتجازهن دون سند قانوني، وبتهم فضفاضة، الأمر الذي ضاعف القيود أمام نشاط اليمنيات بالتزامن مع تصاعد هيمنة خطاب محافظ متشدد، يرى في كل مطالبة بالمساواة أو التمكين نوعا من التمرّد على “الثوابت”.

تهمة النوع الاجتماعي

تحوّل مصطلح “النوع الاجتماعي” إلى تهمة بحد ذاته، يستخدم في بعض المناطق كذريعة لإغلاق برامج، أو منع تدريبات، أو استهداف منظمات مجتمع مدني نسوية.

وتؤكد وداد أن هذا الخطاب ليس عفويا، بل هو جزء من منظومة تكرّس السلطة الذكورية، وتوظف الدين والتقاليد لردع أي محاولة نسائية للتقدم أو التأثير.

دعوات متزايدة لقانون يمني خاص بالجرائم الإلكترونية

التحريض عبر الإنترنت، باعتباره من أخطر أشكال الانتهاك الرقمي التي تشهد تصاعدا لافتا في السياق اليمني، في ظل غياب نصوص قانونية واضحة ورادعة،

ففي ورقتها البحثية الموسومة “المسؤولية التقصيرية الناشئة عن نشر وترويج الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في التشريع اليمني”، أشارت د. زينة محمد عمر خليل إلى أن التحريض – سواء على العنف أو الكراهية أو التمييز – بات يأخذ طابعًا ممنهجًا في بعض المنصات الرقمية، مستغلاً ضعف الرقابة وغياب التشريع النوعي.

وأكدت الباحثة أن الفضاء الإلكتروني لا يُعدّ مجرد وسيلة لنقل المعلومات، بل تحول إلى أداة خطيرة لتأجيج النزاعات وبث الفوضى، وهو ما يحمّل المسؤولية للأشخاص الذين يروجون لمحتوى تحريضي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وفي السياق ذاته، ناقش كل من د. عمران عبد السلام محمد الزعبي ود. خليل سعيد خليل أعبيه في ورقتهما المعنونة “المسؤولية الجنائية الناشئة عن إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي”، أن التحريض الإلكتروني يعد جريمة مكتملة الأركان إذا ما ثبت توافر نية الإضرار أو التسبب بأذى للغير. وأوضحا أن اليمن يفتقر إلى قانون خاص بالجريمة الإلكترونية، مما يجعل ملاحقة مثل هذه الأفعال رهينة بتكييفات قانونية فضفاضة ضمن القانون الجنائي التقليدي، وهو ما يعرقل عملية التقاضي ويترك الباب مفتوحًا لتفشي الانتهاكات.

وشددت الورقة على أن خطورة التحريض لا تكمن فقط في نتائجه المباشرة، بل في أثره التراكمي على السلم الاجتماعي والاصطفافات السياسية والطائفية، لا سيما في ظل الصراع القائم، حيث غالبًا ما تُستخدم المنصات الرقمية لتأليب الرأي العام أو التحريض ضد فئات بعينها، بما في ذلك الصحفيات والمدافعات عن حقوق الإنسان.

جهود قانونية تدعو إلى ضرورة سن قانون يمني مستقل يُنظّم الجرائم الإلكترونية، ويُجرّم بشكل صريح أفعال التحريض بكافة أشكالها، مع اعتماد آليات فعّالة لرصد المحتوى التحريضي وملاحقة مرتكبيه دون الإخلال بحرية الرأي والتعبير المكفولة بالدستور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى